ليس صحيحا ما قاله الشاعر ابن نباته السعدي فيما نتناقله من مشهور الأبيات:
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب و الموت واحد
لا...ليس الموت سواء، و ليس الميتون سواسية، و ليست العواقب متشابهة،فحياة البشر أنواع و أشكال و كذلك موتهم، و كيفما نظرنا للموت وجدناه مصيبة، و كذلك وصفه القرآن، فهو خاتمة لمرحلة الحياة و العمل،و مفارقة للأهل و الولد..
خاتمة لمرحلة الإستدراك و التصحيح و التعلم و الاستغفار، هو بداية القيامة و الحساب "موت أحدكم قيامته" و لا أظن أن أحدا يتمنى الموت طواعية و يقبل عليه رغبة الا الشهيد طالبا لحياة من الفرح الخالص و الرزق العميم و البشرى المنتظرة باللاحقين..
و قد نهانا الاسلام عن تمني الموت و بلوغ مرحلة السأم من الحياة مهما بلغنا من العمر و مهما تكالبت علينا هموم الدنيا، و جاء في مأثور الدعاء أن نسأل الله الحياة ما كانت خيرا لنا بعلمه و أن يميتنا إذا علم الموت خيرا لنا، و لنا العبرة في يوسف عليه السلام الذي عانى قبل النصر و البراءة خيانة الأهل و فتنة النساء و ظلمة السجن و تشويه السمعة،فلما جاءه الفرج و التمكين كانت عيناه معلقتان بخاتمته، و كيف سيكون شكلها فدعى بأن يموت مسلما في زمرة الصالحين.
و قد أدرك المصطفى صلى الله عليه و سلم أن الموت مصيبة فأراد أن يخفف عن البشر مشاعر الفقد و الألم و يعزيهم بنفسه فقال: أيما أحد من الناس أصيب بمصيبة، فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يُصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي"و كيف يجد المرء العزاء إذا تذكر رسول الله؟ يجده عندما يذكر أن الرسول يجب أن يكون أحب إليه من نفسه و أهله و ماله و ولده و الناس أجمعين ليصح إيمانه
و هناك أمثلة يجب استذكارها عند الحديث عن الموت أولها:
موت النفس المطمئنة
غريب كان موقف بلال رضي الله عنه يقول للموت و هو على فراشه:حبيب جاء على فاقة، و لكن بقية قوله تبين لماذا كان يرى الموت حبيبا طال انتظاره إذ قال: غدا ألقى الأحبة محمدا و صحبه، فكان يرى بقاؤه بعد أصحابه هو المصيبة و اجتماعه بهم غاية المنى
هذا هو موت النفس المطمئنة التي بعد أن وصف الله سبحانه و تعالى مشاهد القيامة و الهول و الحسرة في سورة الفجر ناداها" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي" لحظة من العطف و الحنو ينادي بها الله تعالى أصحاب هذه النفس و ينسبهم له، يناديهم كمن ينادي على مغترب لكي يعود الى دياره و وطنه الذي فارقه و في هذا قال ابن القيم:
فحيّ على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى و فيها المخيم
و لكننا سبي العدو فهل يا ترى نعود لأوطاننا و نُسلم
ثم تنال النفس المطمئنة التي تنتقل بين الدنيا و الآخرة بسلاسة جريان الماء بشرى الرضى و الجزاء المرتقب بالجنة، و قد وصف صاحب الظلال هذه النفس فقال: هي المطمئنة الى ربها و طريقها و قدرها، المطمئنة في السراء و الضراء، المطمئنة فلا ترتاب و لا تنحرف و لا تتلجلج في الطريق
العروس و استشهاد حنظلة العريس (الى إيمان)
حنظلة غسيل الملائكة: هكذا نعرفه في السيرة و الأخبار، و نعرف أنه العريس الذي خرج صباح عرسه للجهاد و هو جنب فاستشهد فغسلته الملائكة و مع عظم الشهادة و الأجر لا تعليق و لا زيادة، و لكني إذ أكتب بقلم أنثوي كنت دائما أفكر في زوجة حنظلة، جميلة بنت عبد الله، العروس التي ابتدأت حياتها و اختتمتها في يوم واحد فصارت عروسا و أرملة في نفس الوقت، لقد كان مصابها كبيرا و فقدها أليما و كذا هو فقد الزوج، فقد قال الرسول لما رأى المرأة التي نعي اليها زوجها تصيح بينما حمدت و استرجعت على أبيها و أخيها" إن للرجل لشعبة من المرأة" أي مكانة في قلبها، و لكن الله ربط على قلب زوجة حنظلة فرأت رؤيا أن السماء قد فُرجت له فدخل ثم أطبقت فقالت ففهمتها الشهادة، ربط الله على قلبها و قلب كل زوجة من بعدها في مثل موقفها تفقد زوجها بمرض أو عرض فجعل سبحانه لهذا المصاب الأليم و الاحتساب عليه أجرا عظيما فقال رسول الله" ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه الا الجنة"
إن بعض مصائب الموت مما يُذهل الانسان و لا يرى له حكمة مباشرة، و لكن الإيمان يقتضي أن نعلم بأن الله أرحم بنا من أمهاتنا و آبائنا، و في المصائب يظهر فضل الإيمان بالله، فغير المؤمنين قد لا يستطيعون قبول ما حصل فليجأون للانتحار أو الأدوية أو يصابون بالأمراض، و لكن العقيدة أمر عظيم، كما تقول الكاتبة نوال السباعي" تبنيك و أنت في أشد لحظاتك انهيارا، و الإيمان يعطيك من اليقين ما يثبتك في أقسى حالات الزلزلة فيجعلك مطمئنا الى قدر الله و رحمته"
موت الورعين الخائفين و المتأملين برحمة الله
قيل انه لما حضرت عمرو بن عبد العزيز الوفاة سئل: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فأجاب: أصبحت بطيّا،بطينا،متلوثا بالخطايا،أتمنى على الله الأماني، و ليس قوله رضي الله عنه غريبا فهو حفيد الفاروق،و يبدو أن جينات التقوى تنتقل بالوراثة، الذي تمنى عند موته لو ان أمه لم تلده أو كان نسيا منسيا إشفاقا من ذنوبه و هو المبشر بالجنة، و قد جاء في الحديث:لا يموتن أحدكم الا و هو يحسن الظن بالله، فمن رجا رحمة الله مع خوف ذنوبه أعطاه الله ما يرجو و أمنه مما يخاف
الموت و الأحبة
كتب إلياس خوري في رائعته عن النكبة الفلسطينية باب الشمس" يموت الآخرون فتموت أشياء في دواخلنا،يموت من نحبهم فتموت أعضاء في أجسادنا، الانسان لا ينتظر موته بل يعيشه،يعيش موت الآخرين في داخله و حين يصل الى موته يكون قد بتر الكثير من أجزائه و لم يبق الا القليل"
ليس الموت سواء و ليس الأموات سواسية
إذا مات ذو علم و تقوى فقد ثُلمت في الاسلام ثلمة
و موت العابد القوام ليلا يناجي ربه في كل ظلمة
و موت فتى كثير الجود محل فإن بقاؤه خصب و نعمة
و موت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمة
و موت الحاكم العدل المولى لحكم الأرض منقصة و نقمة
أولئك خمسة يُبكى عليهم و باقي الناس تخفيف و رحمة
و باقي الخلق دهماء رعاع و في إيجادهم لله حكمة
عظم الله أجركم
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب و الموت واحد
لا...ليس الموت سواء، و ليس الميتون سواسية، و ليست العواقب متشابهة،فحياة البشر أنواع و أشكال و كذلك موتهم، و كيفما نظرنا للموت وجدناه مصيبة، و كذلك وصفه القرآن، فهو خاتمة لمرحلة الحياة و العمل،و مفارقة للأهل و الولد..
خاتمة لمرحلة الإستدراك و التصحيح و التعلم و الاستغفار، هو بداية القيامة و الحساب "موت أحدكم قيامته" و لا أظن أن أحدا يتمنى الموت طواعية و يقبل عليه رغبة الا الشهيد طالبا لحياة من الفرح الخالص و الرزق العميم و البشرى المنتظرة باللاحقين..
و قد نهانا الاسلام عن تمني الموت و بلوغ مرحلة السأم من الحياة مهما بلغنا من العمر و مهما تكالبت علينا هموم الدنيا، و جاء في مأثور الدعاء أن نسأل الله الحياة ما كانت خيرا لنا بعلمه و أن يميتنا إذا علم الموت خيرا لنا، و لنا العبرة في يوسف عليه السلام الذي عانى قبل النصر و البراءة خيانة الأهل و فتنة النساء و ظلمة السجن و تشويه السمعة،فلما جاءه الفرج و التمكين كانت عيناه معلقتان بخاتمته، و كيف سيكون شكلها فدعى بأن يموت مسلما في زمرة الصالحين.
و قد أدرك المصطفى صلى الله عليه و سلم أن الموت مصيبة فأراد أن يخفف عن البشر مشاعر الفقد و الألم و يعزيهم بنفسه فقال: أيما أحد من الناس أصيب بمصيبة، فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يُصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي"و كيف يجد المرء العزاء إذا تذكر رسول الله؟ يجده عندما يذكر أن الرسول يجب أن يكون أحب إليه من نفسه و أهله و ماله و ولده و الناس أجمعين ليصح إيمانه
و هناك أمثلة يجب استذكارها عند الحديث عن الموت أولها:
موت النفس المطمئنة
غريب كان موقف بلال رضي الله عنه يقول للموت و هو على فراشه:حبيب جاء على فاقة، و لكن بقية قوله تبين لماذا كان يرى الموت حبيبا طال انتظاره إذ قال: غدا ألقى الأحبة محمدا و صحبه، فكان يرى بقاؤه بعد أصحابه هو المصيبة و اجتماعه بهم غاية المنى
هذا هو موت النفس المطمئنة التي بعد أن وصف الله سبحانه و تعالى مشاهد القيامة و الهول و الحسرة في سورة الفجر ناداها" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي" لحظة من العطف و الحنو ينادي بها الله تعالى أصحاب هذه النفس و ينسبهم له، يناديهم كمن ينادي على مغترب لكي يعود الى دياره و وطنه الذي فارقه و في هذا قال ابن القيم:
فحيّ على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى و فيها المخيم
و لكننا سبي العدو فهل يا ترى نعود لأوطاننا و نُسلم
ثم تنال النفس المطمئنة التي تنتقل بين الدنيا و الآخرة بسلاسة جريان الماء بشرى الرضى و الجزاء المرتقب بالجنة، و قد وصف صاحب الظلال هذه النفس فقال: هي المطمئنة الى ربها و طريقها و قدرها، المطمئنة في السراء و الضراء، المطمئنة فلا ترتاب و لا تنحرف و لا تتلجلج في الطريق
العروس و استشهاد حنظلة العريس (الى إيمان)
حنظلة غسيل الملائكة: هكذا نعرفه في السيرة و الأخبار، و نعرف أنه العريس الذي خرج صباح عرسه للجهاد و هو جنب فاستشهد فغسلته الملائكة و مع عظم الشهادة و الأجر لا تعليق و لا زيادة، و لكني إذ أكتب بقلم أنثوي كنت دائما أفكر في زوجة حنظلة، جميلة بنت عبد الله، العروس التي ابتدأت حياتها و اختتمتها في يوم واحد فصارت عروسا و أرملة في نفس الوقت، لقد كان مصابها كبيرا و فقدها أليما و كذا هو فقد الزوج، فقد قال الرسول لما رأى المرأة التي نعي اليها زوجها تصيح بينما حمدت و استرجعت على أبيها و أخيها" إن للرجل لشعبة من المرأة" أي مكانة في قلبها، و لكن الله ربط على قلب زوجة حنظلة فرأت رؤيا أن السماء قد فُرجت له فدخل ثم أطبقت فقالت ففهمتها الشهادة، ربط الله على قلبها و قلب كل زوجة من بعدها في مثل موقفها تفقد زوجها بمرض أو عرض فجعل سبحانه لهذا المصاب الأليم و الاحتساب عليه أجرا عظيما فقال رسول الله" ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه الا الجنة"
إن بعض مصائب الموت مما يُذهل الانسان و لا يرى له حكمة مباشرة، و لكن الإيمان يقتضي أن نعلم بأن الله أرحم بنا من أمهاتنا و آبائنا، و في المصائب يظهر فضل الإيمان بالله، فغير المؤمنين قد لا يستطيعون قبول ما حصل فليجأون للانتحار أو الأدوية أو يصابون بالأمراض، و لكن العقيدة أمر عظيم، كما تقول الكاتبة نوال السباعي" تبنيك و أنت في أشد لحظاتك انهيارا، و الإيمان يعطيك من اليقين ما يثبتك في أقسى حالات الزلزلة فيجعلك مطمئنا الى قدر الله و رحمته"
موت الورعين الخائفين و المتأملين برحمة الله
قيل انه لما حضرت عمرو بن عبد العزيز الوفاة سئل: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فأجاب: أصبحت بطيّا،بطينا،متلوثا بالخطايا،أتمنى على الله الأماني، و ليس قوله رضي الله عنه غريبا فهو حفيد الفاروق،و يبدو أن جينات التقوى تنتقل بالوراثة، الذي تمنى عند موته لو ان أمه لم تلده أو كان نسيا منسيا إشفاقا من ذنوبه و هو المبشر بالجنة، و قد جاء في الحديث:لا يموتن أحدكم الا و هو يحسن الظن بالله، فمن رجا رحمة الله مع خوف ذنوبه أعطاه الله ما يرجو و أمنه مما يخاف
الموت و الأحبة
كتب إلياس خوري في رائعته عن النكبة الفلسطينية باب الشمس" يموت الآخرون فتموت أشياء في دواخلنا،يموت من نحبهم فتموت أعضاء في أجسادنا، الانسان لا ينتظر موته بل يعيشه،يعيش موت الآخرين في داخله و حين يصل الى موته يكون قد بتر الكثير من أجزائه و لم يبق الا القليل"
ليس الموت سواء و ليس الأموات سواسية
إذا مات ذو علم و تقوى فقد ثُلمت في الاسلام ثلمة
و موت العابد القوام ليلا يناجي ربه في كل ظلمة
و موت فتى كثير الجود محل فإن بقاؤه خصب و نعمة
و موت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمة
و موت الحاكم العدل المولى لحكم الأرض منقصة و نقمة
أولئك خمسة يُبكى عليهم و باقي الناس تخفيف و رحمة
و باقي الخلق دهماء رعاع و في إيجادهم لله حكمة
عظم الله أجركم