اخوتي الكرام تعالو ا وتعرفوا معي على
المناظلة الجزائرية
جميلة بو حيرد
المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ليست رمزاً من رموز النضال الجزائري فحسب، بل علامة بارزة أيضاً في حركات التحرر التي عرفها العالم لكسر شوكة الاستعمار، فلا تكاد تذكر هذه الحركات إلا ويذكر معها جميلة بوحيرد، هذه المرأة القابعة قي دائرة الظل وخلف أسوار عالية من الغموض الذي كاد أن يجعل منها أسطورة.
حتى إن الدوائر الرسمية الجزائرية لا تعرف عنها إلا القليل وربما هو ما يفسر ورود اسمها في قائمة الشهداء، مع أنها مازالت حية ترزق وتقيم حالياً حسب آخر المعلومات في العاصمة الفرنسية باريس، بعيداً عن أعين وسائل الإعلام التي عجزت عن استنطاقها.
وجميلة بوحيرد، هذه المرأة التي كانت شوكة في خاصرة الاستعمار الفرنسي، ولدت عام 1935م بحي القصبة العتيق بالجزائر العاصمة، وترعرعت في أسرة متوسطة الحال بين أم تونسية الأصل وأب جزائري مثقف، وسبعة إخوة هي الفتاة الوحيدة بينهم، تشربت مبادئ النضال من أبيها الثائر، وأمها التي انتفضت غاضبة حينما سمعتها تردد عبارة من كتاب التاريخ تقول: "أسلافنا هم الغال، أي شعب الغال الذي ينتمي إليه الفرنسيون"، وزرعت فيها أولى بذور الوطنية والانتماء حينما قالت لها: "الجزائر وطنك، والعروبة هويتك والإسلام دينك، وإفريقيا جنتك التي يجب أن تعود كاملة لأصحابها الإفريقيين"، وهو الكلام الذي انعكس بشكل جلي على حياتها التي أخذت منعطفاً ثورياً بدا واضحاً في مخالفتها للطلاب الجزائريين الذين كانوا يرددون في طابور الصباح "أمنا" أي فرنسا، ولكنها وحدها التي كانت تغرد خارج السرب وهي تردد "الجزائر" فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي وعاقبها بشدة، ولكن هذا العقاب لم يؤت أكله بل زادها إصراراً وتشبثاً بموقفها الذي قويت شوكته بانضمامها إلى صفوف الثورة الجزائرية عام 1956م وهي لا تزال تلميذة، فاضطلعت بالمهام الصعبة التي لا يقوى عليها إلا الرجال الأشداء، حيث كانت تقوم بنقل الأسلحة وزرع القنابل والعبوات الناسفة في الأماكن التي يرتادها المستعمرون، كما عملت مسؤولة ارتباط مع القائد سعدي
المرأة التي صفق لها العالم طويلاً محبة واعتزازاً وتقديراً، هي المرأة التي سيستيقظ الشهداء من مقابرهم إذا ما تكلمت، أما التاريخ فسيركع تحت قدميها إجلالاً وإنصاتاً، هي الشخصية التي اختارها التاريخ لتكون بين أبرز خمس شخصيات سياسية طبعت القرن العشرين· هي ليست مجرد اسم رنان في التاريخ العربي الجزائري، إنها رمز مضيء من رموز الكرامة العربية والحرية الإنسانية، هي تجسيد للنزوع المقدس نحو كل ما هو جميل في الحياة البشرية، إنها قصيدة في تراب الوجدان الجزائري والعربي والإنساني، إنها شجرة مثمرة وخالدة في تربة الروح وفي ماء الحلم ودم التحرر القومي والوطني والإنساني·
الجزائر سيدتها العظيمة، تخشى عليها ومستعدة لأن تفديها بما تبقى لديها من عمر وجسد نحيل وبصر ضعيف·
وحدهم العظماء يعرفون معنى الصمت، لذلك انسحبت ببساطة وفي سكون تام كأي كائن جريح، هربت داخل مرايا النسيان واختارت الصمت الصادق، المخيف، الجبار، والجليل سنوات طويلة··· ولأنها تعرف متى يجب أن يشق الصمت فإنها في اللحظة المناسبة تصرخ صرختها المهيبة: يا جزائر، يا وطني يا أنا يا نحن يا شهداء أحياء وأحياء أموات اطلقوا سبيل الحياة حتى لا نظل في السرداب المظلم ما دام هناك من يصر على سرقة شمس الفقراء والكادحين ومادام المسروق يبارك سارقه·
حول دورها – على الرغم من أهميته – في ثورة التحرير الجزائرية تتكون في معظمها من سطور قليلة متناثرة هنا وهناك. ولربما يكون من السهل جداً على المرء أن يعثر على مصادر معلومات غزيرة ومفصلة عن الكثير من رفاق جميلة في النضال ممن لعبوا أدواراً أقل أهمية من دورها. وذلك في النتيجة يثير العديد من التساؤلات عن الأسباب والدوافع، وخصوصاً أنه لا تكاد مدينة أو بلدة عربية تخلو من شارع أو مدرسة يحملان اسم هذه المناضلة.
وقد يكون من السهل علينا أن ندرك أسباب محاولات تجاهلها لو أخذنا في اعتبارنا حجم ما قدمته جميلة للثورة الجزائرية، حتى بعد اعتقالها، أو خلال محاكمتها أو سجنها، ومدى إسهامها في نجاح الثورة، وفي وقت لاحق في ترسيخ أهمية النضال الوطني ضد الاستعمار.
قصة جميلة لا تبدأ مع اندلاع الثورة عام 1954، بل تعود في الواقع إلى عام 1830، عندما غزت فرنسا الجزائر واحتلتها بعد أن تعرض قنصلها للإهانة على يد الحاكم الجزائري الذي كان يحمل لقب الداي. وقد حارب الجزائريون قوات الاحتلال بضراوة، لكن عدوهم كان يتفوق عليهم عدة وعدداً. وعلى مدى العقود الخمسة اللاحقة، كانت معظم أراضي الجزائر الخصبة قد صودرت ومنحت لمستوطنين فرنسيين وصل عددهم إلى ربع مليون في الوقت الذي كان فيه عدد الشعب الجزائري يتناقص باطراد.
وقبل سنوات من اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية، قامت فرنسا رسمياً بضم الجزائر إليها لتصبح مقاطعة فرنسية في أفريقيا. وعلى الرغم من رفض الشعب الجزائري للإجراء الفرنسي، فقد قامت قوات الاحتلال بتجنيد شباب الجزائر للقتال دفاعاً عن فرنسا خلال الحرب. إلا أن الفترة التي أعقبت الحرب كانت أكثر دموية للجزائريين من الحرب نفسها.
كان من الواضح أن فرنسا التي خرجت منتصرة من الحرب، ستأكل وعوداً أطلقتها بمنح الحرية للجزائريين لو قاتلوا معها. وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى اندلاع مظاهرات سلمية لأشهر متتالية احتجاجاً على المعاملة السيئة لقوات الاحتلال بعد الحرب (من الأمثلة الشهيرة على ذلك حصر توزيع الخبر على الأوروبيين فقط، أما غيرهم فحصتهم كانت من خبز الشعير). وكان أكثر من 15.000 شخص قد تظاهروا في مستغانم دونما حادث يذكر. لكن ذلك سرعان ما تغير عندما قام الجيش الفرنسي بارتكاب مذبحة مريعة في شوارع بلدة سطيف وجوارها علة مدى أيام قليلة رداً على المظاهرات السلمية.
ففي الثامن من مايو 1945، وهو اليوم الذي اختاره الحلفاء للاحتفال بانتصارهم على النازية، تجمع آلاف الجزائريين قرب أحد مساجد البلدة للقيام بمسيرة سلمية سبق لمنظميها أن حصلوا على موافقة السلطات عليها. لكن القوات الفرنسية التي جيء بها من قسنطينة لم تمهل الجماهير كثيراً، حيث فتحات عليها نيران رشاشاتها.
وخلال دقائق كانت الجثث تملأ شوارع الحي. وتحدث الشهود عن مناظر مرعبة. فقد كان مرتزقة الفرقة الأجنبية الشهيرة بقسوتها في الجيش الفرنسي يمسكون الأطفال من أرجلهم ويضربون برؤوسهم الجدران والصخور، ويبقرون بطون الحوامل ويلقون بالقنابل اليدوية في مداخن المنازل لقتل قاطنيها. كما تعرض من حاولوا دفن القتلى إلى مجازر مماثلة بنيران الرشاشات وسط المقابر.
وتشير السجلات العامة إلى أن المستوطنين الأوروبيين أفزعتهم بادرة التظاهر إلى درجة أنهم كانوا يشجعون جنودهم على قتل الجميع. وهكذا توسعت المذبحة على مدى الأيام القليلة التالية، فقصفت المزارع القرى القريبة بالمدفعية، فيما استخدم الطيران لدك كل ما لم يطله مدى المدفعية. وقد سقط في تلك المجزرة الشنعاء أكثر من 45.000 شهيد جزائري.
ومن الروايات التي تبين بشاعة الحدث، أن عقيداً مسؤولاً عن دفن القتلى تعرض للوم بسبب بطئه في العمل، فأجاب قائلاً "أنتم تقتلون بأسرع من طاقتنا على الدفن."!!
كانت لمذبحة سطيف وغيرها من الأحداث المماثلة أبلغ الأثر في تلقين الجزائريين درساً بالغ الأهمية: الفرنسيون لن يمنحوهم حريتهم أبداً إذا لم يقاتلوا من أجلها.
في ذلك المناخ العام ولدت جميلة بو حيرد وترعرعت في عائلة متوسطة الحال. وقد تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية، لكنها سرعان ما انضمت لحركة المقاومة السرية عن طريق شقيقها. وكانت آنذاك فتاة باهرة الجمال وجريئة للغاية.
وقد عملت خلال أعوام انطلاقة الثورة كمسؤولة ارتباط مع القائد سعدي ياصف. كما أن تقارير غير مؤكدة تتحدث عن أنها تولت لبعض الوقت مسؤولية العمليات المسلحة في العاصمة، الجزائر.
كانت الثورة الجزائرية 1954-1965 واحدة من أقوى حركات النضال ضد الاستعمار، والتي اجتاحت في تلك العقود آسيا وأفريقيا. وقد انطلقن العملية الأولى للثورة في الأول من نوفمبر 1954، عندما هاجم فدائيو جبهة التحرير الوطني قوة جزائرية في جبال الأوراس الشرقية. وكانت المعنويات الفرنسية آنذاك تعاني الكثير بعد الهزيمة المذلة التي لحقت بقواتهم في معركة ديان بيان فو الشهيرة، والتي خطت سطور نهاية الاحتلال الفرنسي للهند الصينية، وبالتالي نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية.
وقد لقي الكفاح المسلح دعماً كبيراً، خصوصاً في المناطق الريفية وبين القرويين. أما في المدن، فإن الأحياء الشعبية مثل حي القصبة في العاصمة، وفرت دعماً ممتازاً للمقاتلين، وأصبحت مناطق شبه محظور دخولها على قوات الاحتلال. وكانت المظاهرات العارمة تندلع في المدن الجزائرية حيث كان المتظاهرون يتصدون لقوات الاحتلال بصدورهم العارية غير عابئين بالموت.
ألقى الفرنسيون بكل قوتهم في وجه الثورة، واستخدموا كامل جيشهم المزود بأحدث ما لدى حلف الناتو من سلاح. وقد شارك ما ينوف على 400.000 جندي فرنسي في المعارك على مدى سبع سنوات ونصف السنة، بالإضافة إلى أكثر من ثلثي سلاح الجو ونصف البحرية. كما استخدم الفرنسيون آخر ما أبدعوه في مجال مكافحة النضال الوطني. ففضلاً عن الدبابات والطائرات، والحصار البحري، استخدموا الأسيجة المكهربة لإقفال الحدود مع تونس والمغرب، وأقاموا شبكات متصلة في شتى الأنحاء لعزل واصطياد المناضلين، ومسحوا عن وجه الأرض أكثر من 8.000 قرية في إطار سياسة الأرض المحروقة. ولم يقصروا في اللجوء إلى شتى السبل المعقدة والشيطانية بما فيها الإرهاب والتجسس والتعذيب لقمع الثورة.
قدم الشعب الجزائري ضحايا بالآلاف يومياً، وبلغ عدد شهدائه أكثر من مليون، كما أن ما يزيد عن مليونين ونصف فقدوا منازلهم. وامتلأت شوارع المدن بأكثر من 300.000 طفل يتيم، فيما اضطر 300.000 جزائري للفرار إلى المغرب وتونس حيث شكلوا هناك قواعد إضافية ترفد
الثورة.
كانت جميلة بو حيرد واحدة من الآلاف المؤلفة من المناضلين الذين كتب لهم سوء الحظ أن يسقطوا في قبضة العدو. فقد ألقي القبض عليها أثناء غارة شنتها القوات الفرنسية الخاصة، واتهمت بزرع الكثير من المتفجرات والعبوات الناسفة في العاصمة، مما أودى بحياة الكثير من الفرنسيين. وبعد عمليات تعذيب يصعب تصورها، قدمت للمحاكمة في يوليو 1957
وفي أحد الايام كانت جميلة متوجهة (لياسيف السعد) برسالة جديدة,, لكنها احست ان ثمة من يراقبها؟ فحاولت الهروب,, غير ان جنود الاحتلال طاردوها وأطلقوا عليها الرصاصات التي استقرت احداها في كتفها الايسر وحاولت المناضلة الاستمرار في الانفلات غير ان ابنة الثانية والعشرين سقطت بجسدها النحيل الجريح,,وافاقت في المستشفى العسكري حيث كانت محاولة الاستجواب الاولىلإجبارها على الإفصاح عن مكان (ياسيف السعدي) ,, غير انها تمسكت بموقفها,, فادخلها جنود الاحتلال في نوبة تعذيب استمرت سبعة عشر يوما متواصلة,, وصلت الى حد ان اوصل جنود الاحتلال التيار الكهربائي بجميع انحاء جسدها حيث لم يحتمل الجسد النحيل المزيد واصيب بنزيف استمر خمسة عشر يوما,, لكن لسان جميلة بوحريد وجسدها كان اقوى من كل محاولات معذبيها بعدها انتقلت (جميلة) لسجن (بار بدوس) اشهر مؤسسات التعذيب في العصر الحديث,, حيث بدأت نوبات اخرى من التعذيب استمرت احدى جلساتها الى ثماني عشرة متواصلة حتى اغشي عليها واصيبت بالهزيان,, ثم بعدها السماح لها بوجود تحقيق رسمي,, حيث حضر هذاالتحقيق المحامي الفرنسي (ميسو قرجيه) الذي قال لجميلة بمجرد توليه الدفاع عنها (لست وحدك,, فكل شرفاء العالم معك) ورغم ان القاضي المشرف على التحقيق رفض منحه ساعة واحدة للجلوس معها للاطلاع على ملابسات القضية,,؟ ولم يستجب الا بعد ان هدد بالانسحاب من القضية وايدت (جميلة) التهديد بأنها لن تجيب عن اية اسئلة في غير وجود محاميها,, واستمر التحقيق معها قرابة الشهر وقع خلالها حادث القاء مفرقعات بأحد المحال الجزائرية.
المحاكمة المتواطئة
بدأت المحكمة يوم 11 (يوليو 1957,, بعد انتهاء التحقيق,, وبعد ان رفض عديد من المحامين الفرنسيين الاشتراك في الدفاع عن (جميلة بوحيرد) لرفض المحكمة اطلاعهم على ملف القضية ولرفضها ايضا استبعاد التحقيقات التي اخذت خلال جلسات التعذيب.
وكانت جلسة المحاكمة الاولى مجرد سجال عقيم بين المحكمة و(جميلة بوعزة) زميلة (جميلة بوحيرد) في الاتهام واعترفت فيها (بوعزة) بان (بوحيرد) هي التي حرضتها على إلقاء المتفجرات وكانت تتحدث بصوت عال وبشكل غير طبيعي الامر الذي دعا (مسيو فرجية) لتقديم طلب للمحكمة لعرض (بو عزة) على طبيب أمراض عقلية فرفضت المحكمة طلبه,, ورغم ذلك استمر في الدفاع عن (جميلة بو حيرد) وزملائها,.
غير ان تشدد المحكمة وانحيازها الواضح دفعه لابلاغ المحكمة بأنه احترامه للعدالة واحترامه لنفسه يضطرانه الى الانسحاب والى ابلاغ نقيبهم في باريس.
وفي اليوم الثالث تم استجواب المتهمين الاربعة (جميلة بو حيرد) و(جميلة بوعزة) و(طالب) و(حافيد) ,, وكذا الاستماع الى الشهود والى ثلاثة من الاطباء العقليين بشأن الحالة العقلية ل(بوعزة) الذين رفضوا الافصاح عن حالتها بحجة سر المهنة.
وكانت اعترافات (جميلة بو عزة) 19 سنة تقول: انه بناء على اشارة من جميلة بو حريد وضعت بو عزة قنبلة في سلة المهملات يوم 9 نوفمبر 1956 وفي يوم 26 يناير 1957 وضعت قنبلة ثانية انفجرت في مقهى آخر نتج عنه قتل شخصين.
وايضا تم تضمين ملف القضية صورة من تحقيق ادعت المحكمة ان (جميلة بو حيرد) قد أدلت به غير انها انكرت ذلك وانتهت المحكمة الى توجيه التهم التالية لجميلة بو حيرد (احراز مفرقعات والشروع في قتل والاشتراك في حوادث قتل وفي حوادث شروع في قتل وتدمير مبان بالمفرقعات والاشتراك في حوادث مماثلة,, الانضمام الى جماعة من القتلة) وخمس من هذه التهم عقوبتها الاعدام.
وعندما قرأت المحكمة المتواطئة الحكم بالاعدام على (جميلة بو حيرد) انطلقت فجأة (جميلة) في الضحك في قوة وعصبية جعلت القاضي يصرخ بها (لا تضحكي في موقف الجد) ,, وكأن الموقف بالفعل كان جاديا.
غير انها قالت في قوة وثبات (ايها السادة,, انني أعلم انكم ستحكمون على بالاعدام ,, لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشوقون لرؤية الدماء,, ومع ذلك فأنا بريئة,, ولقد استندتم في محاولتكم إدانتي الى اقوال فتاة مريضة رفضتم عرضها على طبيب الامراض العقلية بسبب مفهوم,, والى محضر تحقيق وضعه البوليس ورجال المظلات وأخفيتم اصله الحقيقي الى اليوم,, والحقيقة انني احب بلدي واريد له الحرية,, ولهذا أؤيد كفاح جبهة التحرير الوطني، انكم ستحكمون علي بالاعدام لهذا السبب وحده بعد ان عذبتموني ولهذا السبب قتلتم اخوتي (بن مهيري) و(بو منجل) و(زضور) ولكنكم اذا تقتلونا لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية الفرنسية ولا تنسوا انكم بهذا تلطخون شرف بلادكم وتعرضون مستقبلها للخطر,, ولا تنسوا انكم لن تنجحوا ابدا في منع الجزائر من الحصول على استقلالها.
وقد خرجت صرخة جميلة من قاعة المحكمة الى ارجاء العالم,, فقد ثار العالم من اجمل جميلة,, ولم تكن الدول العربية وحدها هي التي شاركت في ابعاد هذا المصير المؤلم عن جميلة فقد انهالت على (داج همرشولد) السكرتير العام للامم المتحدة وقتها البطاقات من كل مكان في العالم,, تقول: (انقذ جميلة) ,, (انقذ جميلة),.
وتمر ايام قليلة ويتقهقر الاستعمار الفرنسي,, ويعلن السفاح (لاكوست) انه طلب من رئيس جمهورية فرنسا وقتئذ العفو عن جميلة,, ثم يتبجح ويقول (ما من امرأة اعدمت على أرض فرنسية منذ خمسين عاما).
وكانت (جميلة) رغم ذلك على بضع خطوات من حتفها؟ وقد تعمدوا اخفاء موعد اعدامها عن الاعلام,, وتواطأت معهم وكالات الابناء الاستعمارية ,, لكن ارادة الشعوب كانت هي الاقوى والابقى فوق ارادة الظلم الاستعمار ,, ولم يتم اعدام جميلة بو حيرد كما حكمت المحكمة الظالمة.
وعلى الصعيد السياسي، وبعد خسائر بشرية باهظة للجانبين، تم في مايو 1962 توقيع اتفاقيات إيفيان وإعلان استقلال الجزائر. وكانت فرنسا قد بدأت قبل أشهر، ومع تقدم سير المفاوضات، بإطلاق سراح الأسرى الجزائريين تدريجياً. وعندما أطلق سراح جميلة، تزوجت بعد أشهر من محاميها الذي أشهر إسلامه واتخذ اسم منصور.
بعد الاستقلال، تولت جميلة رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، لكنها اضطرت للنضال في سبيل كل قرار وإجراء تتخذه بسبب خلافها مع الرئيس آنذاك، أحمد بن بلة. وقبل مرور عامين، قررت أنها لم تعد قادرة على احتمال المزيد، فاستقالت وأخلت الساحة السياسية. وهي ما تزال تعيش في العاصمة الفرنسية حتى الآن، متوارية عن الأنظار. لكن المرات القليلة التي ظهرت فيها أمام الناس أثبتت أن العالم ما زال يعتبرها رمزاً للتحرر الوطني
هي من قال فيها الشاعر محمد الفيتوري
قصيدته رسالة إلى جميلة
لن نَسْمَعَ الجدرانُ يا جميلةُ
فالسجنُ مثلُ جَبْهةِ السجّان
من حجرٍ صخرٍ ، ومن صنوّان
وما الذي تصنع راحتان
نحيلتان... مستطيلتان
لا مرأة صغيرةٍ نحيلة ؟
أأضرب الأمثالَ يا جميلةُ ؟
أأملأ العروقَ بالشارات ؟
أأملأ الوجوه بالوجوم ؟
أأملأ السماء بالغيوم ؟
إذاً هبيني ساعةً من حياة
حياةِ روحٍ داخلَ السجن
حياتِك الساعةَ يا جميلة
في ليلِ زنزانتُكِ الطويلة
حين تدور ساعة الحُزْنِ
ثلاثَ دَوْراتٍ فجائيَّةْ
وحينَ لا ينفذُ للأُذنِ
إلا خُطا الجُندِ الحديدية
وهي تجوب ساحةَ السِّجن
في رِعْشَة شبه جنونيّة
إذاً هبيني قوة الوجود
قوّة إنسانيّة البشرْ
قوّة ألفِ ثائرٍ في القيود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يارَبْ سَاعدْني عَلى أن أقول كَلمة الحَقّ في وَجْه الأقويَاءوأن لا أقول البَاطل لأكْسبْ تَصْفيق الضعَفاء وَأن أرَى الناحَية الأخرْى مِنَ الصّوَرة وَلا تتركنْي أتّهِم خصْومي بِأنّهمْ خَونه لأنهّم اخْتلفوا مَعي في الرأي يارَبْ إذا أعطيتني مَالاً فلا تأخذ سَعادتي وإذا أعَطيتني قوّة فلا تأخذ عّقليْ وإذا أعَطيتني نجَاحاً فلا تأخذ تَواضعْي وإذا أعطيتني تواضعاً فلا تأخذ إعْتزازي بِكرامتي ارَبْ عَلمّنْي أنْ أحبّ النَاسْ كَما أحبّ نَفسْي عَلّمني أنْ أحَاسِبْ نَفسْي كَما أحَاسِبْ النَاسْ وَعَلّمنْي أنْ التسَامح هَو أكْبَر مَراتب القوّة وَأنّ حبّ الإنتقام هَو أولْ مَظاهِر الضعْفَ. يارَبْ لاتَدَعني أصَاب بِالغرور إذا نَجَحْت وَلا باليَاسْ إذا فْشلت بَل ذكّرني دائِـماً انّ الفَشَل هَو التجَارب التي تسْـبِق النّجَاح. يارَبْ اذا جَرَّدتني مِن المال فاتركْ لي الأمل وَإذا جَرّدتني مِنَ النجَّاح فاترك لي قوّة العِنَاد حَتّى أتغلب عَلى الفَشل وَإذا جَرّدتني مَن نعْمة الصَّحة فاترك لي نعمة الإيمان. يارَبْ إذا أسَأت إلى الناس فَاعْطِني شجَاعَة الإعتذار وإذا أسَاء لي النَّاس فاعْطِنْي شجَاعَة العَفْوَ وإذا نَسيْتك يَارَبّ َارجْو أن لا تنسَـاني مَنْ عَفوِك وَحْلمك
فَانتَ العَظيْم القَـهّار القَادِرْ عَـلى كُـلّ شيء..
يا رب .......يا رب .........يا رب
أمين
ثائر الخطيب
المناظلة الجزائرية
جميلة بو حيرد
المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ليست رمزاً من رموز النضال الجزائري فحسب، بل علامة بارزة أيضاً في حركات التحرر التي عرفها العالم لكسر شوكة الاستعمار، فلا تكاد تذكر هذه الحركات إلا ويذكر معها جميلة بوحيرد، هذه المرأة القابعة قي دائرة الظل وخلف أسوار عالية من الغموض الذي كاد أن يجعل منها أسطورة.
حتى إن الدوائر الرسمية الجزائرية لا تعرف عنها إلا القليل وربما هو ما يفسر ورود اسمها في قائمة الشهداء، مع أنها مازالت حية ترزق وتقيم حالياً حسب آخر المعلومات في العاصمة الفرنسية باريس، بعيداً عن أعين وسائل الإعلام التي عجزت عن استنطاقها.
وجميلة بوحيرد، هذه المرأة التي كانت شوكة في خاصرة الاستعمار الفرنسي، ولدت عام 1935م بحي القصبة العتيق بالجزائر العاصمة، وترعرعت في أسرة متوسطة الحال بين أم تونسية الأصل وأب جزائري مثقف، وسبعة إخوة هي الفتاة الوحيدة بينهم، تشربت مبادئ النضال من أبيها الثائر، وأمها التي انتفضت غاضبة حينما سمعتها تردد عبارة من كتاب التاريخ تقول: "أسلافنا هم الغال، أي شعب الغال الذي ينتمي إليه الفرنسيون"، وزرعت فيها أولى بذور الوطنية والانتماء حينما قالت لها: "الجزائر وطنك، والعروبة هويتك والإسلام دينك، وإفريقيا جنتك التي يجب أن تعود كاملة لأصحابها الإفريقيين"، وهو الكلام الذي انعكس بشكل جلي على حياتها التي أخذت منعطفاً ثورياً بدا واضحاً في مخالفتها للطلاب الجزائريين الذين كانوا يرددون في طابور الصباح "أمنا" أي فرنسا، ولكنها وحدها التي كانت تغرد خارج السرب وهي تردد "الجزائر" فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي وعاقبها بشدة، ولكن هذا العقاب لم يؤت أكله بل زادها إصراراً وتشبثاً بموقفها الذي قويت شوكته بانضمامها إلى صفوف الثورة الجزائرية عام 1956م وهي لا تزال تلميذة، فاضطلعت بالمهام الصعبة التي لا يقوى عليها إلا الرجال الأشداء، حيث كانت تقوم بنقل الأسلحة وزرع القنابل والعبوات الناسفة في الأماكن التي يرتادها المستعمرون، كما عملت مسؤولة ارتباط مع القائد سعدي
المرأة التي صفق لها العالم طويلاً محبة واعتزازاً وتقديراً، هي المرأة التي سيستيقظ الشهداء من مقابرهم إذا ما تكلمت، أما التاريخ فسيركع تحت قدميها إجلالاً وإنصاتاً، هي الشخصية التي اختارها التاريخ لتكون بين أبرز خمس شخصيات سياسية طبعت القرن العشرين· هي ليست مجرد اسم رنان في التاريخ العربي الجزائري، إنها رمز مضيء من رموز الكرامة العربية والحرية الإنسانية، هي تجسيد للنزوع المقدس نحو كل ما هو جميل في الحياة البشرية، إنها قصيدة في تراب الوجدان الجزائري والعربي والإنساني، إنها شجرة مثمرة وخالدة في تربة الروح وفي ماء الحلم ودم التحرر القومي والوطني والإنساني·
الجزائر سيدتها العظيمة، تخشى عليها ومستعدة لأن تفديها بما تبقى لديها من عمر وجسد نحيل وبصر ضعيف·
وحدهم العظماء يعرفون معنى الصمت، لذلك انسحبت ببساطة وفي سكون تام كأي كائن جريح، هربت داخل مرايا النسيان واختارت الصمت الصادق، المخيف، الجبار، والجليل سنوات طويلة··· ولأنها تعرف متى يجب أن يشق الصمت فإنها في اللحظة المناسبة تصرخ صرختها المهيبة: يا جزائر، يا وطني يا أنا يا نحن يا شهداء أحياء وأحياء أموات اطلقوا سبيل الحياة حتى لا نظل في السرداب المظلم ما دام هناك من يصر على سرقة شمس الفقراء والكادحين ومادام المسروق يبارك سارقه·
حول دورها – على الرغم من أهميته – في ثورة التحرير الجزائرية تتكون في معظمها من سطور قليلة متناثرة هنا وهناك. ولربما يكون من السهل جداً على المرء أن يعثر على مصادر معلومات غزيرة ومفصلة عن الكثير من رفاق جميلة في النضال ممن لعبوا أدواراً أقل أهمية من دورها. وذلك في النتيجة يثير العديد من التساؤلات عن الأسباب والدوافع، وخصوصاً أنه لا تكاد مدينة أو بلدة عربية تخلو من شارع أو مدرسة يحملان اسم هذه المناضلة.
وقد يكون من السهل علينا أن ندرك أسباب محاولات تجاهلها لو أخذنا في اعتبارنا حجم ما قدمته جميلة للثورة الجزائرية، حتى بعد اعتقالها، أو خلال محاكمتها أو سجنها، ومدى إسهامها في نجاح الثورة، وفي وقت لاحق في ترسيخ أهمية النضال الوطني ضد الاستعمار.
قصة جميلة لا تبدأ مع اندلاع الثورة عام 1954، بل تعود في الواقع إلى عام 1830، عندما غزت فرنسا الجزائر واحتلتها بعد أن تعرض قنصلها للإهانة على يد الحاكم الجزائري الذي كان يحمل لقب الداي. وقد حارب الجزائريون قوات الاحتلال بضراوة، لكن عدوهم كان يتفوق عليهم عدة وعدداً. وعلى مدى العقود الخمسة اللاحقة، كانت معظم أراضي الجزائر الخصبة قد صودرت ومنحت لمستوطنين فرنسيين وصل عددهم إلى ربع مليون في الوقت الذي كان فيه عدد الشعب الجزائري يتناقص باطراد.
وقبل سنوات من اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية، قامت فرنسا رسمياً بضم الجزائر إليها لتصبح مقاطعة فرنسية في أفريقيا. وعلى الرغم من رفض الشعب الجزائري للإجراء الفرنسي، فقد قامت قوات الاحتلال بتجنيد شباب الجزائر للقتال دفاعاً عن فرنسا خلال الحرب. إلا أن الفترة التي أعقبت الحرب كانت أكثر دموية للجزائريين من الحرب نفسها.
كان من الواضح أن فرنسا التي خرجت منتصرة من الحرب، ستأكل وعوداً أطلقتها بمنح الحرية للجزائريين لو قاتلوا معها. وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى اندلاع مظاهرات سلمية لأشهر متتالية احتجاجاً على المعاملة السيئة لقوات الاحتلال بعد الحرب (من الأمثلة الشهيرة على ذلك حصر توزيع الخبر على الأوروبيين فقط، أما غيرهم فحصتهم كانت من خبز الشعير). وكان أكثر من 15.000 شخص قد تظاهروا في مستغانم دونما حادث يذكر. لكن ذلك سرعان ما تغير عندما قام الجيش الفرنسي بارتكاب مذبحة مريعة في شوارع بلدة سطيف وجوارها علة مدى أيام قليلة رداً على المظاهرات السلمية.
ففي الثامن من مايو 1945، وهو اليوم الذي اختاره الحلفاء للاحتفال بانتصارهم على النازية، تجمع آلاف الجزائريين قرب أحد مساجد البلدة للقيام بمسيرة سلمية سبق لمنظميها أن حصلوا على موافقة السلطات عليها. لكن القوات الفرنسية التي جيء بها من قسنطينة لم تمهل الجماهير كثيراً، حيث فتحات عليها نيران رشاشاتها.
وخلال دقائق كانت الجثث تملأ شوارع الحي. وتحدث الشهود عن مناظر مرعبة. فقد كان مرتزقة الفرقة الأجنبية الشهيرة بقسوتها في الجيش الفرنسي يمسكون الأطفال من أرجلهم ويضربون برؤوسهم الجدران والصخور، ويبقرون بطون الحوامل ويلقون بالقنابل اليدوية في مداخن المنازل لقتل قاطنيها. كما تعرض من حاولوا دفن القتلى إلى مجازر مماثلة بنيران الرشاشات وسط المقابر.
وتشير السجلات العامة إلى أن المستوطنين الأوروبيين أفزعتهم بادرة التظاهر إلى درجة أنهم كانوا يشجعون جنودهم على قتل الجميع. وهكذا توسعت المذبحة على مدى الأيام القليلة التالية، فقصفت المزارع القرى القريبة بالمدفعية، فيما استخدم الطيران لدك كل ما لم يطله مدى المدفعية. وقد سقط في تلك المجزرة الشنعاء أكثر من 45.000 شهيد جزائري.
ومن الروايات التي تبين بشاعة الحدث، أن عقيداً مسؤولاً عن دفن القتلى تعرض للوم بسبب بطئه في العمل، فأجاب قائلاً "أنتم تقتلون بأسرع من طاقتنا على الدفن."!!
كانت لمذبحة سطيف وغيرها من الأحداث المماثلة أبلغ الأثر في تلقين الجزائريين درساً بالغ الأهمية: الفرنسيون لن يمنحوهم حريتهم أبداً إذا لم يقاتلوا من أجلها.
في ذلك المناخ العام ولدت جميلة بو حيرد وترعرعت في عائلة متوسطة الحال. وقد تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية، لكنها سرعان ما انضمت لحركة المقاومة السرية عن طريق شقيقها. وكانت آنذاك فتاة باهرة الجمال وجريئة للغاية.
وقد عملت خلال أعوام انطلاقة الثورة كمسؤولة ارتباط مع القائد سعدي ياصف. كما أن تقارير غير مؤكدة تتحدث عن أنها تولت لبعض الوقت مسؤولية العمليات المسلحة في العاصمة، الجزائر.
كانت الثورة الجزائرية 1954-1965 واحدة من أقوى حركات النضال ضد الاستعمار، والتي اجتاحت في تلك العقود آسيا وأفريقيا. وقد انطلقن العملية الأولى للثورة في الأول من نوفمبر 1954، عندما هاجم فدائيو جبهة التحرير الوطني قوة جزائرية في جبال الأوراس الشرقية. وكانت المعنويات الفرنسية آنذاك تعاني الكثير بعد الهزيمة المذلة التي لحقت بقواتهم في معركة ديان بيان فو الشهيرة، والتي خطت سطور نهاية الاحتلال الفرنسي للهند الصينية، وبالتالي نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية.
وقد لقي الكفاح المسلح دعماً كبيراً، خصوصاً في المناطق الريفية وبين القرويين. أما في المدن، فإن الأحياء الشعبية مثل حي القصبة في العاصمة، وفرت دعماً ممتازاً للمقاتلين، وأصبحت مناطق شبه محظور دخولها على قوات الاحتلال. وكانت المظاهرات العارمة تندلع في المدن الجزائرية حيث كان المتظاهرون يتصدون لقوات الاحتلال بصدورهم العارية غير عابئين بالموت.
ألقى الفرنسيون بكل قوتهم في وجه الثورة، واستخدموا كامل جيشهم المزود بأحدث ما لدى حلف الناتو من سلاح. وقد شارك ما ينوف على 400.000 جندي فرنسي في المعارك على مدى سبع سنوات ونصف السنة، بالإضافة إلى أكثر من ثلثي سلاح الجو ونصف البحرية. كما استخدم الفرنسيون آخر ما أبدعوه في مجال مكافحة النضال الوطني. ففضلاً عن الدبابات والطائرات، والحصار البحري، استخدموا الأسيجة المكهربة لإقفال الحدود مع تونس والمغرب، وأقاموا شبكات متصلة في شتى الأنحاء لعزل واصطياد المناضلين، ومسحوا عن وجه الأرض أكثر من 8.000 قرية في إطار سياسة الأرض المحروقة. ولم يقصروا في اللجوء إلى شتى السبل المعقدة والشيطانية بما فيها الإرهاب والتجسس والتعذيب لقمع الثورة.
قدم الشعب الجزائري ضحايا بالآلاف يومياً، وبلغ عدد شهدائه أكثر من مليون، كما أن ما يزيد عن مليونين ونصف فقدوا منازلهم. وامتلأت شوارع المدن بأكثر من 300.000 طفل يتيم، فيما اضطر 300.000 جزائري للفرار إلى المغرب وتونس حيث شكلوا هناك قواعد إضافية ترفد
الثورة.
كانت جميلة بو حيرد واحدة من الآلاف المؤلفة من المناضلين الذين كتب لهم سوء الحظ أن يسقطوا في قبضة العدو. فقد ألقي القبض عليها أثناء غارة شنتها القوات الفرنسية الخاصة، واتهمت بزرع الكثير من المتفجرات والعبوات الناسفة في العاصمة، مما أودى بحياة الكثير من الفرنسيين. وبعد عمليات تعذيب يصعب تصورها، قدمت للمحاكمة في يوليو 1957
وفي أحد الايام كانت جميلة متوجهة (لياسيف السعد) برسالة جديدة,, لكنها احست ان ثمة من يراقبها؟ فحاولت الهروب,, غير ان جنود الاحتلال طاردوها وأطلقوا عليها الرصاصات التي استقرت احداها في كتفها الايسر وحاولت المناضلة الاستمرار في الانفلات غير ان ابنة الثانية والعشرين سقطت بجسدها النحيل الجريح,,وافاقت في المستشفى العسكري حيث كانت محاولة الاستجواب الاولىلإجبارها على الإفصاح عن مكان (ياسيف السعدي) ,, غير انها تمسكت بموقفها,, فادخلها جنود الاحتلال في نوبة تعذيب استمرت سبعة عشر يوما متواصلة,, وصلت الى حد ان اوصل جنود الاحتلال التيار الكهربائي بجميع انحاء جسدها حيث لم يحتمل الجسد النحيل المزيد واصيب بنزيف استمر خمسة عشر يوما,, لكن لسان جميلة بوحريد وجسدها كان اقوى من كل محاولات معذبيها بعدها انتقلت (جميلة) لسجن (بار بدوس) اشهر مؤسسات التعذيب في العصر الحديث,, حيث بدأت نوبات اخرى من التعذيب استمرت احدى جلساتها الى ثماني عشرة متواصلة حتى اغشي عليها واصيبت بالهزيان,, ثم بعدها السماح لها بوجود تحقيق رسمي,, حيث حضر هذاالتحقيق المحامي الفرنسي (ميسو قرجيه) الذي قال لجميلة بمجرد توليه الدفاع عنها (لست وحدك,, فكل شرفاء العالم معك) ورغم ان القاضي المشرف على التحقيق رفض منحه ساعة واحدة للجلوس معها للاطلاع على ملابسات القضية,,؟ ولم يستجب الا بعد ان هدد بالانسحاب من القضية وايدت (جميلة) التهديد بأنها لن تجيب عن اية اسئلة في غير وجود محاميها,, واستمر التحقيق معها قرابة الشهر وقع خلالها حادث القاء مفرقعات بأحد المحال الجزائرية.
المحاكمة المتواطئة
بدأت المحكمة يوم 11 (يوليو 1957,, بعد انتهاء التحقيق,, وبعد ان رفض عديد من المحامين الفرنسيين الاشتراك في الدفاع عن (جميلة بوحيرد) لرفض المحكمة اطلاعهم على ملف القضية ولرفضها ايضا استبعاد التحقيقات التي اخذت خلال جلسات التعذيب.
وكانت جلسة المحاكمة الاولى مجرد سجال عقيم بين المحكمة و(جميلة بوعزة) زميلة (جميلة بوحيرد) في الاتهام واعترفت فيها (بوعزة) بان (بوحيرد) هي التي حرضتها على إلقاء المتفجرات وكانت تتحدث بصوت عال وبشكل غير طبيعي الامر الذي دعا (مسيو فرجية) لتقديم طلب للمحكمة لعرض (بو عزة) على طبيب أمراض عقلية فرفضت المحكمة طلبه,, ورغم ذلك استمر في الدفاع عن (جميلة بو حيرد) وزملائها,.
غير ان تشدد المحكمة وانحيازها الواضح دفعه لابلاغ المحكمة بأنه احترامه للعدالة واحترامه لنفسه يضطرانه الى الانسحاب والى ابلاغ نقيبهم في باريس.
وفي اليوم الثالث تم استجواب المتهمين الاربعة (جميلة بو حيرد) و(جميلة بوعزة) و(طالب) و(حافيد) ,, وكذا الاستماع الى الشهود والى ثلاثة من الاطباء العقليين بشأن الحالة العقلية ل(بوعزة) الذين رفضوا الافصاح عن حالتها بحجة سر المهنة.
وكانت اعترافات (جميلة بو عزة) 19 سنة تقول: انه بناء على اشارة من جميلة بو حريد وضعت بو عزة قنبلة في سلة المهملات يوم 9 نوفمبر 1956 وفي يوم 26 يناير 1957 وضعت قنبلة ثانية انفجرت في مقهى آخر نتج عنه قتل شخصين.
وايضا تم تضمين ملف القضية صورة من تحقيق ادعت المحكمة ان (جميلة بو حيرد) قد أدلت به غير انها انكرت ذلك وانتهت المحكمة الى توجيه التهم التالية لجميلة بو حيرد (احراز مفرقعات والشروع في قتل والاشتراك في حوادث قتل وفي حوادث شروع في قتل وتدمير مبان بالمفرقعات والاشتراك في حوادث مماثلة,, الانضمام الى جماعة من القتلة) وخمس من هذه التهم عقوبتها الاعدام.
وعندما قرأت المحكمة المتواطئة الحكم بالاعدام على (جميلة بو حيرد) انطلقت فجأة (جميلة) في الضحك في قوة وعصبية جعلت القاضي يصرخ بها (لا تضحكي في موقف الجد) ,, وكأن الموقف بالفعل كان جاديا.
غير انها قالت في قوة وثبات (ايها السادة,, انني أعلم انكم ستحكمون على بالاعدام ,, لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشوقون لرؤية الدماء,, ومع ذلك فأنا بريئة,, ولقد استندتم في محاولتكم إدانتي الى اقوال فتاة مريضة رفضتم عرضها على طبيب الامراض العقلية بسبب مفهوم,, والى محضر تحقيق وضعه البوليس ورجال المظلات وأخفيتم اصله الحقيقي الى اليوم,, والحقيقة انني احب بلدي واريد له الحرية,, ولهذا أؤيد كفاح جبهة التحرير الوطني، انكم ستحكمون علي بالاعدام لهذا السبب وحده بعد ان عذبتموني ولهذا السبب قتلتم اخوتي (بن مهيري) و(بو منجل) و(زضور) ولكنكم اذا تقتلونا لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية الفرنسية ولا تنسوا انكم بهذا تلطخون شرف بلادكم وتعرضون مستقبلها للخطر,, ولا تنسوا انكم لن تنجحوا ابدا في منع الجزائر من الحصول على استقلالها.
وقد خرجت صرخة جميلة من قاعة المحكمة الى ارجاء العالم,, فقد ثار العالم من اجمل جميلة,, ولم تكن الدول العربية وحدها هي التي شاركت في ابعاد هذا المصير المؤلم عن جميلة فقد انهالت على (داج همرشولد) السكرتير العام للامم المتحدة وقتها البطاقات من كل مكان في العالم,, تقول: (انقذ جميلة) ,, (انقذ جميلة),.
وتمر ايام قليلة ويتقهقر الاستعمار الفرنسي,, ويعلن السفاح (لاكوست) انه طلب من رئيس جمهورية فرنسا وقتئذ العفو عن جميلة,, ثم يتبجح ويقول (ما من امرأة اعدمت على أرض فرنسية منذ خمسين عاما).
وكانت (جميلة) رغم ذلك على بضع خطوات من حتفها؟ وقد تعمدوا اخفاء موعد اعدامها عن الاعلام,, وتواطأت معهم وكالات الابناء الاستعمارية ,, لكن ارادة الشعوب كانت هي الاقوى والابقى فوق ارادة الظلم الاستعمار ,, ولم يتم اعدام جميلة بو حيرد كما حكمت المحكمة الظالمة.
وعلى الصعيد السياسي، وبعد خسائر بشرية باهظة للجانبين، تم في مايو 1962 توقيع اتفاقيات إيفيان وإعلان استقلال الجزائر. وكانت فرنسا قد بدأت قبل أشهر، ومع تقدم سير المفاوضات، بإطلاق سراح الأسرى الجزائريين تدريجياً. وعندما أطلق سراح جميلة، تزوجت بعد أشهر من محاميها الذي أشهر إسلامه واتخذ اسم منصور.
بعد الاستقلال، تولت جميلة رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، لكنها اضطرت للنضال في سبيل كل قرار وإجراء تتخذه بسبب خلافها مع الرئيس آنذاك، أحمد بن بلة. وقبل مرور عامين، قررت أنها لم تعد قادرة على احتمال المزيد، فاستقالت وأخلت الساحة السياسية. وهي ما تزال تعيش في العاصمة الفرنسية حتى الآن، متوارية عن الأنظار. لكن المرات القليلة التي ظهرت فيها أمام الناس أثبتت أن العالم ما زال يعتبرها رمزاً للتحرر الوطني
هي من قال فيها الشاعر محمد الفيتوري
قصيدته رسالة إلى جميلة
لن نَسْمَعَ الجدرانُ يا جميلةُ
فالسجنُ مثلُ جَبْهةِ السجّان
من حجرٍ صخرٍ ، ومن صنوّان
وما الذي تصنع راحتان
نحيلتان... مستطيلتان
لا مرأة صغيرةٍ نحيلة ؟
أأضرب الأمثالَ يا جميلةُ ؟
أأملأ العروقَ بالشارات ؟
أأملأ الوجوه بالوجوم ؟
أأملأ السماء بالغيوم ؟
إذاً هبيني ساعةً من حياة
حياةِ روحٍ داخلَ السجن
حياتِك الساعةَ يا جميلة
في ليلِ زنزانتُكِ الطويلة
حين تدور ساعة الحُزْنِ
ثلاثَ دَوْراتٍ فجائيَّةْ
وحينَ لا ينفذُ للأُذنِ
إلا خُطا الجُندِ الحديدية
وهي تجوب ساحةَ السِّجن
في رِعْشَة شبه جنونيّة
إذاً هبيني قوة الوجود
قوّة إنسانيّة البشرْ
قوّة ألفِ ثائرٍ في القيود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يارَبْ سَاعدْني عَلى أن أقول كَلمة الحَقّ في وَجْه الأقويَاءوأن لا أقول البَاطل لأكْسبْ تَصْفيق الضعَفاء وَأن أرَى الناحَية الأخرْى مِنَ الصّوَرة وَلا تتركنْي أتّهِم خصْومي بِأنّهمْ خَونه لأنهّم اخْتلفوا مَعي في الرأي يارَبْ إذا أعطيتني مَالاً فلا تأخذ سَعادتي وإذا أعَطيتني قوّة فلا تأخذ عّقليْ وإذا أعَطيتني نجَاحاً فلا تأخذ تَواضعْي وإذا أعطيتني تواضعاً فلا تأخذ إعْتزازي بِكرامتي ارَبْ عَلمّنْي أنْ أحبّ النَاسْ كَما أحبّ نَفسْي عَلّمني أنْ أحَاسِبْ نَفسْي كَما أحَاسِبْ النَاسْ وَعَلّمنْي أنْ التسَامح هَو أكْبَر مَراتب القوّة وَأنّ حبّ الإنتقام هَو أولْ مَظاهِر الضعْفَ. يارَبْ لاتَدَعني أصَاب بِالغرور إذا نَجَحْت وَلا باليَاسْ إذا فْشلت بَل ذكّرني دائِـماً انّ الفَشَل هَو التجَارب التي تسْـبِق النّجَاح. يارَبْ اذا جَرَّدتني مِن المال فاتركْ لي الأمل وَإذا جَرّدتني مِنَ النجَّاح فاترك لي قوّة العِنَاد حَتّى أتغلب عَلى الفَشل وَإذا جَرّدتني مَن نعْمة الصَّحة فاترك لي نعمة الإيمان. يارَبْ إذا أسَأت إلى الناس فَاعْطِني شجَاعَة الإعتذار وإذا أسَاء لي النَّاس فاعْطِنْي شجَاعَة العَفْوَ وإذا نَسيْتك يَارَبّ َارجْو أن لا تنسَـاني مَنْ عَفوِك وَحْلمك
فَانتَ العَظيْم القَـهّار القَادِرْ عَـلى كُـلّ شيء..
يا رب .......يا رب .........يا رب
أمين
ثائر الخطيب